حكاية الأنفاق بين حدود قطاع غزة ومصر أو بين قارتي أفريقيا وأسيا حكاية حياة وموت وصراع في مواجهة المستحيل تفاصيلها سياسة وأمن واقتصاد.
يشرع الجيش المصري بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي الذي تربطه علاقة مميزة بحركة حماس – فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين- في عمليات تفتيش وتدمير غير مسبوقة للأنفاق بين مدينة رفح جنوب قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية والتي يستخدمها الفلسطينيون لتهريب ما يحتاجون من سلع وبضائع والممنوعات كالسلاح والمخدرات بشكل عام، ومواد الاعمار والوقود على وجه الخصوص، المواد الأخيرة التي تمنع سلطات الاحتلال دخولها إلى قطاع غزة المحاصر منذ 7 سنوات من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية العقيد أحمد محمد علي أن الحملات الأمنية تمكنت من اكتشاف وتدمير (343) نفق على الشريط الحدودي بمنطقة رفح بين مصر وقطاع غزة منهم (229) بتقنية الغمر بالمياه.
وقال المتحدث العسكري أن إجمالي الأنفاق التي تم تدميرها بلغ خلال الفترة من30 يوليو - 20 أغسطس حوالي (52) نفق ... كما تم تدمير (62) بيارة وقود بإجمالى سعة تخزين تقدر بحوالى (3.23) مليون لتر سولار و بنزين ، وضبط عدد (49 عربة أنواع - 5 دراجات بخارية ) تستخدم في تهريب البضائع عبر الأنفاق .
من خلال هذا التقرير نروي قصة الأنفاق التي ابتكرها الفلسطينيون لتهريب السلاح خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000 وساعد السلاح المهرب القادم من إيران أو السودان أو تجار السلاح في مصر، الفلسطينيين على تطوير قدراتهم القتالية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة كالصواريخ قصيرة المدى و مدافع الهاوون والأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة، مما أدى كأحد- في نظر الفصائل المسلحة- الأسباب لانسحاب قوات الاحتلال والمستوطنين من قطاع غزة عام 2005.
الأنفاق كوسيلة في عهد تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة كانت معدودة ومحدودة وهدف للضربات الجوية الإسرائيلية، ودفعت قوات الاحتلال لتهجير آلاف العائلات من منطقة الشريط الحدودي في محاولة للحد منها.
دور الأنفاق تحول تمام بعد أسر المقاومة الفلسطينية للجندي الإسرائيلي ومن ثم فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وسيطرتها على قطاع غزة بالقوة العسكرية وفرض إسرائيل الحصار على قطاع غزة ومنع دخول السلع والبضائع بكافة أنواعها من المعابر الفلسطينية – الإسرائيلية.
وأصبحت الأنفاق التي ازداد عددها إلى المئات .. بل الآلاف وسيلة فلسطينية لمواجهة الحصار الإسرائيلي وتهريب كل مستلزمات الحياة اليومية من مصر.
ما هي الأنفاق
النفق هو عبارة عن حفرة عميقة بشكل عامودي في باطن الأرض قد تصل في العمق إلى30 متر، ثم تتجه نحو الأراضي المصرية بشكل طولي على مسافة قد تبلغ 1200 متر حتى تصل لحفرة مقابلة في الجانب المصري داخل منزل أو بستان وأحيانا في أماكن مهجورة يديرها في الطرف الثاني مواطن مصري غالبا ما يكون من بدو سيناء يطلق عليه اسم "الأمين" يشرف على تهريب كل ما يريده الطرف الفلسطيني مقابل شراكة في الأرباح الوفيرة التي توفرها الأنفاق.
ويبلغ قطر النفق متر مربع سابقا ووصلت الإنفاق الآن لمرحلة يتسع فيها النفق لمرور سيارة كاملة، كما تم تزويد بعض الأنفاق بجسر يسمح بنقل البضائع على شكل قطار تقليدي لحميل مواد الاعمار من الاسمنت والحديد والحصمة.
المنطقة الصناعية
نتيجة الأعمال الكبيرة وتهريب البضائع والسلع والسيارات وقطع الغيار والآلات والملابس وكل شيء يمكن أن تتوقعه، أصبحت منطقة الأنفاق وجهة للعاطلين عن العمل وبلغ عددهم في ذروة عمل الأنفاق إلى الآلاف من الشباب الفلسطيني.
وتحتاج عمليات سحب المواد من الأنفاق وإنارتها إلى كميات كبيرة من الكهرباء، ووصل الأمر إلى ترخيص الحكومة المقالة الأنفاق بمبالغ كبيرة، للحصول على الكهرباء والموافقة على العمل بها.
منطقة الأنفاق أصبحت حيوية جدا من حيث حركة الأفراد العاملين والتجار والشاحنات التي تنقل ما يخرج من باطن الأرض من سلع وبضائع مما جعلها دائم الازدحام لدرجة أطلق عليها الغزيون "المنطقة الصناعية".
ضرائب الأنفاق
بما أن الأنفاق شكلت طوق نجاة للحكومة المقالة ووسيلة لمواجهة الحصار الإسرائيلي وتوفير احتياجات نحو مليون و 700 ألف مواطن فلسطيني، دأبت حكومة حركة حماس على تنظيم عمل الأنفاق بعد انتشار ظاهرة تهريب المخدرات والحبوب المهلوسة (الترامادول) والحشيش لقطاع غزة من جهة، والاستفادة من فرض ضرائب على ما يتم تهريبه من سلع حيث تبلغ الضرائب على السيارة الحديثة المهربة 6 آلاف دولار، وما يقارب وثلاثة شواكل على علبة السجائر الواحدة تشرف على جبايتها دائرة متخصصة من وزارة الداخلية والاقتصاد تسمى (لجنة الأنفاق).
يقول وكيل وزارة الاقتصاد بالحكومة المقالة بغزة حاتم عويضة أن ما يدخل من سلع عبر المعابر الإسرائيلية يمثل 35% فقط من احتياجات قطاع غزة وهي مواد استهلاكية فيما يدخل الأهم من الأنفاق مثل مواد الاعمار والوقود ومواد الإنتاج الخام وأدوات الإنتاج.
إلا أن عوبضة اعتبر الأنفاق ظاهرة استثنائية يجب إنهائها في حال فتح كل المعابر، أو إقامة منطقة تجارية حرة بين غزة ومصر يستفيد منها الطرفين بشكل رسمي.
الأنفاق مجزرة مستمرة
العمل في الأنفاق يتم في دائرة الخطر الشديد دون وجود أي إجراءات تضمن سلامة العاملين فيها من الشباب الذي وجد فيها فرصة للعمل وكسب قوت اليوم في ظل نسب البطالة العالية جدا في قطاع غزة.
وقضى داخل الأنفاق سواء تحت الردم الطبيعي أو في حال قصف الاحتلال أو بسبب الاختناق أو المس الكهربائي أو انفجار أنابيب الغاز المهربة نحو 300 شاب فلسطيني فيما تعرض ما يقارب 3 آلاف شاب إلى الإصابة التي تصل حد الإعاقة.
ويحمل مدير مركز الضمير لحقوق الإنسان خليل أبو شمالة الحكومة المقالة مسؤولية ظروف العمل في الأنفاق التي لا تضمن سلامة العاملين من حيث بناءها، وعدم توفير شروط السلامة الممكنة، وعدم تأمين حق أسر ضحايا الأنفاق،
وطالب أبو شمالة بتوفير حياة كريمة لمعطوبي الأنفاق الذين تعرضوا لعاهات مستديمة بسبب العمل فيها.
روايات أموات وأحياء
قالت والدة الشاب حسن إبراهيم الشاعر (17 عام) الذي ذهب ضحية العمل في الأنفاق, أنها كانت ترفض عمل ابنها تحت الأرض، إلا أن حسن كان يصر على ذلك لمساعدة أسرته على التغلب على الأوضاع المعيشية الصعبة.
بينما قال والد الضحية حسن أن الأنفاق تهدف لخدمة فئة معينة في المجتمع وهم أصحاب الأنفاق، ولكن الشباب يعملون بها لمواجهة الأوضاع المعيشية الصعبة.
يذكر أن الرئيس محمود عباس، قال أن الأنفاق أنتجت أكثر من ألف ملياردير فلسطيني جديد بسبب أرباح التهريب من الأنفاق الخيالية، متهما أن غالبيتهم من حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
أما الشاب محمد عطوة (26 عام) فقد قدمه نتيجة العمل في الأنفاق بعد 7 سنوات من العمل، التي لجأ للعمل فيها بسبب عدم وجود وظيفة توفر له حياة كريمة ، لكن المقابل كان فقدان ساقه، كما يقول.
وطالب عطوة السلطة الفلسطينية بضرورة إيجاد فرص عمل للشباب وكفالة حقوق العمال وإيجاد حل لمشكلة الأنفاق وضحاياها.
ستبقى الأنفاق مثار جدل بين ضرورات الواقع وحسابات السياسة ومقتضيات الأمن في عالم ينام بسهولة منذ 7 سنوات هي عمر الحصار على 1700.000 فلسطيني يقطنون أصغر بقعة في العالم تحتوي أكبر كثافة سكانية، مما حول قطاع غزة إلى سجن كبير تصله الحياة عبر سراديب الموت.
كما أن الأنفاق شاهد دائم على عدم قدرة الفلسطينيين على المصالحة والوحدة لمواجهة احتلال تعود أن يصمت العالم على جرائمه، ويبقى ذوي القربى من العرب متفرجين فقط، حتى في زمن الربيع العربي على يوميات الموت المتعدد في فلسطين بقدسها وضفتها وغزتها.